الفصل السابع: مداهمة بوّابة

لم يكن من السهل أن يصبح المرء مغامرًا من رتبة A.
لو رأت إيغيس ذلك، لأصيبت بالذهول؛ فقد استغرقت خمس سنوات كاملة حتى تصل إلى رتبة A، ثم عامًا إلى ثلاثة أعوام إضافية كي تبلغ رتبة S.

 

ينبغي على المرء أن يُنجز عددًا كبيرًا من المهام داخل البوابات، إلى جانب إنجازات أخرى مثل المساعدة في إيقاف انهيار البوابات، أو إخضاع المجرمين، أو إتمام أي مهام أخرى، كي يكتسب الشهرة اللازمة ليُعترف به كمغامر من رتبة A.

 

وبصفتي مغامرًا من هذه الرتبة، صرت أمتلك حق الدخول إلى جميع البوابات أدنى من مستوى S، فضلًا عن مزايا عديدة أخرى.

 

وبينما كنت شاردًا في أفكاري، أعادني صوت ميكا إلى الواقع.

 


قالت بابتسامة عريضة على وجهها:
“أهنّئك على كونك أصغر مغامر من رتبة A، يا تلميذي.”

 

وبمجرد أن رأيت ابتسامتها، أدركت طبيعة الحديث الخاص الذي دار بينها وبين رئيس النقابة المسكين.
أشفقت في نفسي على ذلك الرئيس الذي لا أعرف حتى اسمه.

 

فقلت لها ببساطة، وأنا أبتسم ابتسامة بريئة:
“كل الفضل يعود إليكِ يا معلمتي.”

 

غادرنا نقابة المغامرين بعد وقت قصير، ثم وصلنا إلى سيارة ميكا. وما إن جلسنا فيها حتى صرّحت برأيها:
“لدي بعض الأعمال التي عليّ إنجازها، لذا سأغادر الجزيرة العائمة غدًا.”

 

اتسعت عيناي دهشة عند سماع ذلك، لكنني التزمت الصمت.
لم يظهر على وجهي شيء، غير أنّني كنت مسرورًا في داخلي—لا لأنني أكره صحبتها، بل لأنني كنت أنوي استغلال الوقت في تنظيف البوابات لتعزيز مهارتي القتالية، حتى وإن انتهى بي الأمر مصابًا في النهاية.

 

لقد خطرت لي فكرة: غدًا ربما لن يتبقى أثر لنقابة المغامرين على الجزيرة العائمة، إإذ ستجعلهم ميكا كبش فداء لتفريغ غضبها.


ولم أرغب مطلقًا في تأزيم الموقف منذ البداية.

 

لكن خطر ببالي سؤال:
“ماذا سيحل بالشخص الذي كان يُفترض أن يكون تلميذها في الأصل؟”

 

أظن أنّني سألتقيه في الأكاديمية، مسكين… أو محظوظ.”

 

وبينما كنت غارقًا في أفكاري، قاطعتني ميكا بحديثها:
“لا تقلق يا تلميذي، سأُنجز مهمتي في أسرع وقت وأعود إليك؛ أعلم أنّك ستشتاق إليّ كما سأشتاق أنا إليك، فلا تحزن.”


وأضافت مبتسمة:
“معلمتك ستجلب لك بعض الهدايا.”

 

أجبتها باقتضاب: “همم!” وهززت رأسي موافقًا.
لكن في داخلي كنت منشغلًا بالتفكير في ذلك الشخص الذي كان من المفترض أن يكون تلميذها القادم؛ فإن صحّ حدسي، فستلتقي به خلال رحلتها هذه… ومع ذلك، لا أعلم إن كانت ستتخذه تلميذًا بالفعل أم لا.

 

قالت ميكا محاولة التخفيف عني بابتسامة باهتة:
“سأعوّضك بمرافقتك إلى بوّابة من مستوى A.”

 

لم أفهم سبب شعورها بالذنب وظهور تلك الملامح على وجهها، لكنني قبلت عرضها بهزّ رأسي موافقًا.

 

وبمجرد أن رأت موافقتي، أشرقت ابتسامتها الواسعة، ثم قادت السيارة متجهة نحو موقع بوابة المستوى A التي كلّفتها بها جمعية المغامرين.

 

وجدتُ أن جمعية المغامرين تختلف كثيرًا عن نقابة المغامرين؛ إذ يمكن العثور على فروع النقابة في كل مملكة، ويُعتبر رؤساؤها شخصيات نافذة لما يمتلكونه من قوّة ونفوذ ومال وعلاقات، بل يمكن لأي شخص أن يُنشئ نقابته الخاصة بشرط أن يحصل على الموافقة اللازمة.


لكن جمعية المغامرين واحدة فقط، وتُعد المقرّ الرئيس لجميع النقابات.

 

وبعد نحو عشرين دقيقة من السفر، وصلنا أخيرًا إلى موقع البوابة.


حينها فكرت في نفسي:
“ستكون هذه أوّل مداهمة بوّابة لي في هذا العالم، ولا أعلم إن كانت مشابهة للبوابات في عالمي السابق.”

 

ارتديتُ الزي القتالي الذي أعدّته ميكا لي.
كان شبيهًا بملابس القتلة، ولو وضعت قناعًا لبدوت قاتلًا حقيقيًا.

 

 

 


يخيّل إليّ أحيانًا أنّ ميكا تُشبِع بعض ميولها بجعلي أرتدي ما تشاء.

قالت مدافعةً، بعدما رمتُها بنظرة مريبة:
“إنه زيّ مُفصَّل ليُتيح لك حرية الحركة دون قيود، كما أنّه مُعزَّز بسحر تقوية عالي المستوى.”

 

أعطتني كذلك كاتانا سوداء مع غمدٍ معلّق على جانبي الأيسر.
أما هي، فارتدت كيمونوها المعتاد بالأبيض والأسود، الذي كانت ترتديه عند لقائنا الأول، وعلى خصرها الأيسر تدلّى سيفان من نوع الكاتانا.

 

وما إن أتممنا تجهيزنا، حتى دخلنا البوابة مباشرة.
كان هناك عدد من المغامرين يحرسونها، لكن لم يوقفنا أحد، فالجميع كان يعرف من تكون ميكا آماني.

 

بمجرد دخولنا تغيّر المشهد والمناخ بالكامل.
وسط تساقط الثلوج، لم يظهر أمامنا سوى غابة كثيفة، وفي أقصى البعيد ارتفع حصن قديم ضخم بمظهر مخيف، مغطّى بالثلج، وكان علينا عبور الغابة للوصول إليه.

لم تزعجني البرودة بفضل زيّي المُعزَّز، وبالطبع ميكا لم تكن لتتأثر بها.
فتقدّمنا معًا داخل الغابة.

 

ولكي نُطهّر بوابة، أمامنا خياران:
إمّا تدمير مصدرها المعروف بـ قلب البوابة، أو القضاء على كل الوحوش الموجودة داخلها.

 

الخيار الثاني ليس عمليًا كثيرًا، لأن الوحوش ستعود للظهور في اليوم التالي، ما يعني أنّه يجب القضاء على جميعها قبل أن تعود من جديد.
لكن بالطبع، هذا ممكن إذا كنتَ ميكا آماني… أو شخصًا بقوتها.

 

وصلنا سريعًا إلى أعماق الغابة، لكننا لم نواجه أي وحش حتى الآن.
وهذا ليس أمرًا جيّدًا، بل دلالة على أنّ جميع الوحوش قد تجمّعت في مكان واحد، إمّا استعدادًا لاختراق البوابة أو لاستدعاء وحش قوي من نوع “جنرال” رفيع الرتبة.

 

مثل هذا الوضع صعب للغاية على أي مغامر من رتبة A، لأن وحوش الجنرال تُصنّف عادة في رتبة S، وفوق ذلك فهي لا تأتي بمفردها بل ضمن جموع كبيرة.
لكن بالنسبة لمغامرة قوية مثل ميكا، فهذا يُعَدّ مكافأة، إذ يمكنها القضاء عليهم جميعًا دفعة واحدة.

 

تابعنا التقدّم حتى بلغنا نهاية الغابة، وهناك لاح لنا حصن ضخم مغطّى بالجليد، غير بعيد عن موقعنا.
كنتُ على يقين أن جميع الوحوش قد احتشدت داخله؛ فذلك الحصن قادر على استيعاب بضعة آلاف من المخلوقات.

 

إنّ اختراق البوابة يحدث عندما يتجاوز عدد الوحوش الحدّ الأقصى الذي تستطيع البوابة احتواءه.
فإذا تُركت البوابة دون تطهير لوقت طويل، تكاثرت الوحوش حتى بلغت الحدّ النهائي لمصدرها، وحينها يقع الاختراق.

 

ولا حاجة لأن أقول ما الذي قد تفعله الوحوش داخل ذلك الحصن الآن لإحداث الاختراق؛ فقد تكون منهمكة في استدعاء وحش عالي الرتبة… أو ربّما ترفع أعدادها عبر التناسل.

 

هززت رأسي محاولًا طرد تلك الأفكار، وبدأت أضع خطة للهجوم على الحصن.
اقتربت من ميكا وسألتها، وعينيّ معلّقتان بالحصن:
“معلمتي، كيف سندخل الحصن؟”

 

أمالت ميكا رأسها قليلًا، وكأنّ علامات الاستفهام ارتسمت فوقه، ثم قالت بوجه متجهّم كأنها سمعت شيئًا سخيفًا:
“ما الذي تعنيه يا تلميذي؟ أليس الجواب بديهيًا؟”

 

حدّقتُ فيها بعينين ضيّقتين، وكأنني أطلب منها تفسيرًا.

قالت ميكا:
“حسنًا، سأريك.”

 

ثم سحبت كلتا كاتانتيها، ممسكة واحدة في كل يد.

مدّت ذراعيها إلى الأمام بشكل مستقيم، مشكّلة علامة صليبٍ بالسيفين، وأطلقت عنصرها الناري.

 

في لحظة، اشتعل كلا السيفين بالنيران، ثم دفعت بقوتها عبرهما لتفجّرها مباشرة نحو الحصن…

 

تشابكت ألسنة النار الصادرة من الكاتانتيْن، لتتخذ شكل صليب متوهّج اندفع بسرعة هائلة، ساحقًا كل ما يعترض طريقه حتى دمّر الحصن بالكامل.


لكن الهجوم لم يتوقف عند ذلك، بل استمرّ متقدّمًا حتى بلغ القمّة الجبلية العملاقة المغطّاة بالثلوج خلف الحصن، فمحاها من الوجود، ولم يخلّف سوى ألسنة نار هادرة وحطام متناثر، فيما بقي أثر الدمار واضحًا على امتداد المسار الذي شقّه الهجوم.

 

طوال هذا المشهد، لم أرَ سوى النيران التي التهمت كل شيء في طريقها، ولم أجرؤ على صرف بصري ولو لجزءٍ من الثانية، حتى لا يفوتني أي تفصيل من مشهد التدمير المهيب.

 

وبعد برهة قصيرة، ظهرت بوابة الخروج خلفنا، معلنة تطهير البوابة بالكامل.

 

وبعينين ما زالتا مذهولتين، سألتُ بصوت متحيّر:
“ما نوع الوحوش التي تعتقدين أنّها كانت موجودة في هذه البوابة، يا معلمتي؟”

 

كانت ميكا ما تزال تتأمّل المشهد الخلّاب الذي خلّفه هجومها، فأجابت بهدوء، وعيناها شاخصتان أمامها:
“ومن يهتم؟”

 

ثم استدارت وغادرت البوابة، مشيرة إليّ بيدها لألحق بها.

 

حدّقت بها وهي تمضي مبتعدة، ثم حوّلت بصري إلى الحصن، حيث ما زالت النيران تلتهم كل ما فيه.
وقفت هناك وحيدًا لبضع دقائق، أراقب ألسنة اللهب وهي تنتشر بلا توقف، قبل أن أستدير وأغادر البوابة.

 

راودني خاطر وأنا أعبرها، ملوّحًا برأسي بخفّة:
“حتى بعد أن تجهّزتُ بمعدّات مُعزَّزة عالية المستوى، لم تتح لي فرصة القتال مطلقًا… لقد كنتُ مجرد دمية للعرض تستمتع ميكا برؤيتها.”

****

 

التعليقات