الفصل 23: اليوم الأول في الأكاديمية
أكاديمية “سوره”.
الاسم مُستمد من كلمة “أبطال” لكن بحروف مرتّبة على نحو مختلف، وكان لهذا الاسم وقعٌ عظيم في هذه القارة.
كانت هناك مؤسسات تعليمية مرموقة في شتى أنحاء العالم، متخصّصة في رعاية السحرة والمبارزين، لكنّها جميعًا لم تكن سوى ظلّ باهت مقارنةً بأكاديمية “سوره”.
كل شيء فيها، من المرافق، والبنية، والتقنيات، كان على أحدث طراز. لقد كانت مؤسّسة لتدريب الأبطال، وقد أنجبت بالفعل عددًا لا يُحصى منهم.
وكانت أيضًا المسرح الرئيس للأحداث في بداية الرواية.
قالت امرأة تقف فوق المنصّة، بصوت رصين وهي تخطب فينا:
“من الآن فصاعدًا، ستخطون جميعًا أولى خطواتكم نحو أن تصبحوا أبطالًا، هنا في أكاديمية سوره…”
كانت تلك المرأة إحدى عضوات مجلس الطلبة، وقد مُنحت سلطةً تشبه سلطة الحرّاس في هذا المكان.
وكان عدد أعضاء مجلس الطلبة عشرة تقريبًا في كل صفّ دراسي. وبما أنّ الأكاديمية تضم ثلاث مراحل، فهذا يعني أنّ العدد الإجمالي يزيد قليلًا عن الثلاثين.
قالت:
“والآن، أودّ أن أستدعي المتفوقين الأوائل في امتحان القبول والامتحان التحريري. تفضّلوا إلى المنصّة.”
حين نودي اسمي، عمّت الهمهمات في الأرجاء. فأضاف الطالب في السنة الثالثة، الذي كان يتولّى دور المقدّم، بلهجة مهدِّئة:
“نظرًا لأنّ المتفوق الأوّل في امتحان القبول والامتحان التحريري هو الطالب ذاته، فليتقدّم أيضًا الطالب الحاصل على المرتبة الثانية.”
عندها صعدتُ إلى المنصّة، ولحقت بي “ليفيا”.
تنحّى الطالب الثالث عن الميكروفون وأشار لي أن أتقدّم للتعريف عن نفسي.
وقفتُ أمام الميكروفون وقلت:
“أنا آريس فون روثستايلر، سعدتُ بلقائكم.
سمعتُ مقولةً ذات مرة: من يسلك طريق الانتقام، عليه أن يحفر قبرين أوّلًا.
لذا، أيّ واحد منكم ينوي الانتقام منّي بسبب امتحان القبول، فليجهّز قبره قبل أن يقترب منّي.”
ابتسمتُ وأكملت طريقي نازلًا عن المنصّة.
ساد الصمت.
أعضاء مجلس الطلبة، وسائر الطلبة الحاضرين، وقفوا مبهوتين من مقدّمتي التي بدت أشبه بتهديد.
لكن سرعان ما أخرج صوت “ليفيا” الجميع من صدمتهم:
“أه… اسمي ليفيا فروستين، وأنا… أنا أتفق تمامًا مع ما قاله آريس… بل أعجبت به.”
ثم تبعَتني نزولًا عن المنصّة.
ارتفعت أصوات البلع المتوتّر في أنحاء القاعة، ثم صعد الطالب الثالث ليختتم حفل الافتتاح قائلًا:
“ه-هذا يختتم مراسم قبول الطلبة الجدد. ر-رجاءً غادروا القاعة بانتظام وتوجّهوا إلى قاعاتكم الدراسية كما أُبلغتم.
وتأكدوا من التحقق من أرقامكم وصفوفكم في الساحة الرئيسة.”
غادر الجميع وفق التعليمات.
أما أنا، فلم أرغب أن يزعجني بعض “الشخصيات الثانوية” التي قد تحاول مبارزتي طلبًا للشهرة كما حدث مع “لوكس” في الرواية الأصلية، ولهذا اخترت التصرّف بلهجة حادّة منذ البداية، حتى أكفّهم عن العبث بي، إذ إنّ على عاتقي أمورًا أكثر خطورة.
غير أنّ ما حيّرني هو ما كانت تفكّر فيه “ليفيا”، فقد كانت تسير بجانبي وكأنّ الأمر طبيعي.
وصلنا إلى الصفّ الدراسي، فاستوقفني المشهد.
“أهذا هو الصف؟… يبدو مختلفًا تمامًا عمّا قرأتُه وتخيّلته في الرواية.”
كان الانطباع الأوّل أنّه واسع ومتقن التنظيم، وما زال نصف المقاعد تقريبًا فارغًا. وبينما كنت أتساءل أين أجلس، أشارت ليفيا إلى أحد المقاعد في الزاوية قائلة:
“لنَجلس هناك.”
حدّقتُ فيها بلا تعبير لثوانٍ، ثم قلت:
“اجلسي أنتِ هناك، أما أنا فسأجلس في الجهة الأخرى.”
ومضيتُ نحو المقعد الأخير في الجهة المقابلة.
لكن ليفيا لحقَت بي وجلست بجانبي مباشرة. رمقتُها بنظرة عابرة، ثم تجاهلتها، إلى أن دوّى صوت في القاعة:
“هيا، اجلسوا جميعًا!”
انفتح الباب الأمامي بصوت عالٍ، ودخلت امرأة ذات حضور مهيب.
كان شعرها الأشقر الطويل مرفوعًا جزئيًا في كعكة عالية، بينما انسدل بقيته بحرّية، وعيناها الزرقاوان العميقتان أشبه بمحيط غامض يغرق فيه من يطيل النظر. جمالها البديع اكتمل بقوام متوازن ووجه آسر، حتى أنّها بدت كعارضة أزياء رغم ارتدائها ثوبًا بسيطًا: قميص أبيض وتنورة سوداء طويلة.
ابتسمت المرأة بثقة، فجلس جميع الطلبة على عجل.
قدّمت نفسها قائلة:
“سُررت بلقائكم، أنا روزيليا فلورنس، سأكون أستاذتكم خلال هذا العام الدراسي. أتطلّع لقضائه معكم!”
ضجّت القاعة بالتصفيق، ورأيتُ وجوه بعض الطلاب وقد احمرّت خجلًا.
بدأت تحدّثنا عن نفسها وعن مسيرتها في الأكاديمية، ثم قالت:
“على فكرة، أنا أُدرّس مادة فكّ رموز النقوش. أي طالب يرغب بالتعمّق في هذا المجال، يمكنه ملاقاتي بعد أوقات المحاضرات الرسمية.”
وزّعت علينا أوراقًا تحتوي على قواعد الأكاديمية الأساسية، ومواقع المرافق، ومعلومات تفصيلية مفيدة للطلبة المستجدّين.
وأضافت مبتسمة:
“كان ينبغي أن أقضي ساعات في شرح هذه التفاصيل، لكن أليس من الغريب أن نفعل ذلك منذ أوّل يوم؟ لذلك، سأُنهي الحصة اليوم مبكّرًا. يمكنكم العودة إلى مهاجعكم للراحة، أو التجوّل في الأكاديمية برفقة أصدقائكم الجدد. لكن احرصوا على مراجعة الكتيّبات جيّدًا.”
ابتهج الطلبة لكلماتها، فقد كان بعض الأساتذة يشتهرون بالصرامة والإنهاك منذ البداية، لكن روزيليا كانت عكس ذلك تمامًا.
ثم عقّبت بوجه جاد:
“وأمر آخر قبل أن أنهي… أودّ أن أذكّركم أنّ أي صراع مسلّح بين الطلبة من دون سببٍ وجيه أو إذن رسمي، ممنوع تمامًا. إن أردتم اختبار مهاراتكم القتالية، فليكن ذلك في أوقات التدريب المخصّصة.”
عندها استدار معظم الطلبة وحدّقوا بي، وبدا أنّني كنت المقصود أكثر من ليفيا.
ابتسمتُ بسخرية واتكأتُ على مقعدي بلا مبالاة.
قالت روزيليا في الختام، وما زالت نظراتها مثبتة عليّ بابتسامة غامضة:
“إذن، أهنّئكم جميعًا على التحاقكم بأكاديمية سوره، وأتمنى أن تستمتعوا بيومكم الأوّل…
لأنّ جدولًا جحيميًا بانتظاركم قريبًا.”
Comments
Comments are being downloaded ...
Failure to download the comments.Please re -download the page.