الفصل السابع عشر: الاستعداد للامتحان الكتابي
كان الجو في الأكاديمية صاخباً للغاية بعد يوم امتحان القبول؛ إذ انتشرت الشائعات والأحاديث بين الطلاب والأساتذة في كل مكان، وكان أبرز موضوعين يشغلانهم هما: «آريس فون روثستيلار» و «ليفيا فروستين».
نال آريس ألقاباً عدّة بعد أدائه في امتحان القبول، كان أشهرها: «آريس المروّع»، «آريس السفّاح»، و*«آريس الجلّاد»*. ولهذا بدا أن معظم الطلاب صاروا يتجنبونه كما لو كان وباءً.
أمّا ليفيا، فقد تحولت إلى رمز للإعجاب، ومنحوها ألقاباً مثل: «جمال الجليد»، «ملكة الثلج»، وحتى اللقب الأكثر سخفاً: «الجميلة التي قاتلت الشيطان»… ومن الواضح تماماً من المقصود بكلمة «الشيطان» في هذا الوصف.
كما حظي طلاب آخرون ببعض الشهرة، مثل لوكاس الذي لُقّب بـ «عاصفة الرماح»، وديانا بـ «إمبراطورة القوس»، وزيونا بـ «سيّدة السيف المتوحش»، وكلود بـ «النصل السريع»… وهكذا.
لقد مضى يوم واحد فقط منذ امتحان القبول، وكأنني أصبحت الشرير في نظر جميع طلاب السنة الأولى؛ فالجميع يتجنب نظراتي ويهرب بمجرد أن أقع في مرمى بصره.
“إنهم يعاملونني كالمجنون”، تمتم آريس وهو يهز رأسه.
كنت متوجهاً إلى المكتبة استعداداً لامتحان الغد الكتابي. صحيح أن دخولي الصف الخاص صار شبه مؤكَّد، وأن الامتحان بالنسبة لي مجرد إجراء شكلي، لكنني مُلزم باحتلال المرتبة الأولى من أجل إنهاء مهمتي.
فتحت لوحة المهام في ذهني:
[إشعار النظام]
المهمة: أَكمِل التالي—
- الحصول على أعلى نتيجة في امتحان القبول (✓ مُنجَز)
- احتلال المرتبة الأولى في الامتحان الكتابي (✗ لم يُنجَز)
- دخول الصف الخاص (✗ لم يُنجَز)
الجائزة: القدرة – اللغة الكونية
الفشل: ???
قلت وأنا أصل إلى المكتبة:
“لقد أنجزتُ أول شرط أمس، وما بقي لن يكون صعباً بفضل ذاكرتي الفوتوغرافية، إن خصصتُ له بعض الوقت.”
لكن ما إن ولجت المكتبة حتى فوجئت بأنها مكتظة من كل الجهات.
“تِسْك.” تمتمت بضيق، ثم توجهت إلى أمين المكتبة لأسأله عن قسم كتب السنة الأولى.
كان الرجل نحيلاً، ضعيف البنية، في منتصف العمر، شعره بني وعيناه بنيتان، وذقنه غير حليقة، بدا عليه الهزال. وما إن رآني حتى ابتسم ابتسامة ساخرة وقال بصوت مسموع:
“أوه، أليس هذا هو الشهير «آريس الجلّاد»؟ قاتل أكثر من خمسين طالباً!”
وبمجرد أن سمع الطلاب كلماته، التفتوا جميعاً نحوي، لكن ما إن التقت أعيننا حتى أسرع كل منهم في التظاهر بالتركيز في كتابه.
نظرت إلى أمين المكتبة نظرة باردة دون أن أنطق بحرف، فارتبك الرجل وارتجف وهو يجيب متلعثماً:
“أ-آه… ق-قسم كتب السنة الأولى… هناك.” وأشار بإصبعه نحو زاوية القاعة مبتسماً ابتسامة متكلّفة.
أومأت له برأسي ومضيت في الاتجاه الذي أشار إليه.
هناك، وجدت عدداً من طلاب السنة الأولى يقرأون، غير أنني تجاهلتهم، وأخذت كتاباً من الرف. وما إن فتحت صفحاته، حتى فوجئت بأن كامل محتواه انطبع في ذاكرتي بمجرد نظرة واحدة!
“…!؟”
لقد أذهلني ذكائي.
أحياناً، عبقريتي… تكاد تكون مخيفة.
وبدأت أقلب الكتب بسرعة مذهلة، فيما العيون من حولي تتأفف وتنظر إليّ بضيق، قبل أن يقرروا الابتعاد عني. تجاهلتهم جميعاً، وواصلت تقليب… أقصد قراءة كتبي، حتى أنهيت خلال ساعات قليلة معظم كتب القسم.
حين رفعت رأسي، وجدت أن المكتبة التي كانت مكتظة عند دخولي، صارت شبه فارغة. لكنني لم أُعر ذلك اهتماماً؛ إذ وقعت عيناي على طاولة مكدسة بالكتب، تجلس إليها فتاة مألوفة الملامح منهمكة في القراءة.
تجاهلت ملامحها، وانجذبت إلى كومة الكتب بجانبها. اقتربت وجلسْت دون استئذان، ثم تناولت واحداً من كتبها وشرعت أقلب صفحاته.
لم تبدِ الفتاة أي ردة فعل في البداية، لكن سرعان ما نفد صبرها وهي تراني ألتهم كتبها واحداً تلو الآخر، فصرخت بصوت منخفض يكاد يتهدج من الغضب:
“ما الذي تريده بالضبط؟!” قالت وهي تحدّق بي بحدّة.
كتمتُ ضحكة في صدري أمام ملامحها الغاضبة. لقد كانت آيلا يوجين، شقيقة لوكاس يوجين التوأم.
استمررت في تقليب الكتب متجاهلاً كلماتها، الأمر الذي دفعها إلى الوقوف بجانبي، وجعلت تنتفخ وجنتاها مثل سنجاب، ووضعت يديها على خصرها وهي تحدّق بي بشراسة أكبر.
أُصبت بالذهول من ردّ فعلها الطفولي، فرفعت رأسي أخيراً نحو هذه الفتاة الصغيرة البنية… اللولي اللطيفة… أقصد الفتاة الرشيقة.
“ماذا؟” سألتها ببرود.
“ماذا تفعل وأنت تقلب الكتب منذ ساعات بينما الجميع يقرأ بتركيز؟! كلنا نعلم أنك ستدخل الصف الخاص حتى لو رسبت في هذا الامتحان، فلماذا تزعجنا؟ أنت تعلم أن—”
وانطلقت في وصلة طويلة من التذمّر، كأنها تفرغ عليّ كل إحباطها المتراكم. وبعد دقائق توقفت أخيراً، ثم قالت بلهجة ساخطة:
“هاه، تفهم قصدي الآن، أليس كذلك؟” وانتظرت ردي.
لكنني لم أكن قد استمعت أصلاً إلى نصف ما قالته. لم أجد ما أقوله سوى كلمة واحدة:
“طبعاً.”
ثم قلبت آخر كتاب، ونهضت من مقعدي وغادرت دون أن ألتفت إليها.
طوال الوقت كانت عيناها تلاحقاني بتركيز غريب، لا أعلم إن كانت تنتظر مني تفسيراً أو شيئاً آخر. تركتها مذهولة في مكانها وغادرت المكتبة.
وبمجرد أن أغلقت الباب خلفي، دوى من الداخل صوت صرخة مكتومة:
“آآآآآآه!”
ولحسن حظها لم يكن أحد قد بقي في المكتبة ليسمعها.
هززت رأسي، وتوجهت إلى الكافتيريا لأتناول غداءً متأخراً، ثم عدت إلى غرفتي. فغداً موعد الامتحان… وحان وقت إكمال المهمة.
اخوكم منصف
التعليقات