الفصل الثالث عشر: امتحان القبول (2)
لم يتبقَّ سوى ساعة واحدة على نهاية الامتحان، وقد جرى استبعاد أكثر من نصف المرشّحين.
عدد المتبقّين: 129.
الغابة، التي كانت شاسعة في بداية الامتحان، تقلّصت الآن إلى النصف وما زالت تضيق أكثر فأكثر. المعارك أصبحت أكثر تواترًا، وفي أحد أركان الغابة شدّت مرشّحة أنظار الجمهور إليها.
جمالٌ ذو شعرٍ أزرق وعينين زرقاوين، تجلس باسترخاء على عرشٍ من الجليد، تحيط بها هالة ثلجيّة كثيفة. كانت تفتك بكل من يقترب من نطاق هجماتها، وكأنها ملكة جليديّة تحرس حصنها. حاول كثيرون الاقتراب منها، لكنهم لقوا حتفهم قبل أن يتمكنوا حتى من لمس حدود عرشها.
إنها ليفيا فروستين، الأميرة الثالثة لمملكة ديميتريا، والمعروفة بين الناس بـ”الأميرة الجليديّة”.
الجمهور كان مأخوذًا بمشهدها، تبيد خصومها من دون أن تتحرك من عرشها. حتى من في قاعة الشخصيات الهامّة أبدوا دهشتهم وإعجابهم.
لكن سرعان ما تحوّلت الكاميرا إلى صبي أشقر الشعر، عيناه حمراوان، يقاتل خصمين في آن واحد مستخدمًا خنجرين.
بحركات سريعة وخاطفة كالقتلة المحترفين، اختفى ثم ظهر خلفهما، فقضى عليهما في لحظة.
إنه كلود فالديمار، الأمير الثاني لمملكة ألوكْتونا.
وفي كل زاوية من الغابة كانت تشتعل المعارك.
الكاميرا ركّزت على اشتباك جماعي: أربعة ضد أربعة. قتال متوازن شديد العنف، تتهاوى الأشجار من حولهم تحت وابل الضربات. الجمهور تابعهم بشغف، بعضهم راح يراهن على من سينتصر.
غير أنّ شيئًا عصيًّا على الفهم وقع فجأة…
بينما القتال يوشك على الحسم، مرّ أثرٌ أزرق خاطفٌ بينهم، وفصل رؤوسهم عن أجسادهم دفعة واحدة، ليتحوّلوا إلى جسيمات متلاشيَة. في لحظة، أُبيدت المجموعتان معًا.
تكرّر المشهد نفسه في أنحاء الغابة: رؤوس تتطاير في الهواء، ثم تتناثر أجساد أصحابها إلى جسيمات. بدا الأمر وكأن الزمن تباطأ.
الجمهور تجمّد من الذهول، والصمت خيّم على الملعب كلّه.
لم يكن يظهر للعيان سوى خطّ أزرق يشقّ الغابة بسرعة لا تصدّق؛ ما إن تسقط جثة حتى يُطاح بأخرى.
لكن في غرفة كبار الشخصيات، كان العميد وبقية الحاضرين قادرين على رؤية الحقيقة… ورأوا هم أيضًا ما جعل عيونهم تتسع دهشة وفمهم يتيبّس.
سرعان ما تحوّلت أنظار الجميع إلى لوحة النقاط. هناك، ظهر اسمٌ يتسلّق الترتيب بسرعة مذهلة، حتى بدا مشوَّشًا على أعين الطلاب في المنصّة. لم يستطيعوا قراءة الاسم، لكنّهم فهموا أن حدثًا جللاً يجري.
في الغرفة الخاصة، كانت المسؤولة عن اللوحة تحدّق بذهول، قبل أن تتمتم بصوت مرتجف:
“آ… آريس ف… فون رو… روثستيلور…”
ارتفعت العيون إليها تنتظر الشرح، لكنها بقيت واجمة. ثم جاء الصوت من شخص لم يتوقّعه أحد:
عميدة الأكاديمية “إيفيكا ليفنغستون”، بصوتها العذب الرنّان، الذي سحر الحاضرين لحظة نطقت:
“إنه آريس فون روثستيلور، الأمير الرابع لمملكة إسكْراتيا. وُلد بجسدٍ ملعونٍ لا يحمل أي طاقة سحرية، مانالِس… لكن لتعويض ذلك، موهبته في فنون السيف لا يُجاريها أحد.”
ساد الذهول القاعة بأسرها.
جسدٌ بلا مانا؟ فكيف يملك إذًا تلك السرعة اللامنطقية؟
العيون عادت إلى لوحة النقاط وهي تواصل القفز بسرعة مجنونة، ثم فجأة توقّفت… ومعها اختفى الأثر الأزرق الذي غطّى الغابة.
وبعد لحظات، ظهر الرقم الصادم:
“آريس فون روثستيلور – 52 نقطة”
عمّ الوجوم، قبل أن ينفجر الطلاب من مقاعدهم في صرخات غير مصدّقة:
“اثنان وخمسون نقطة؟!”
“هل هذا ممكن أصلًا؟”
“الخط الأزرق… كان مرشّحًا؟!”
أسئلة لا تُحصى علت بين الحشود.
الكاميرات ركّزت على النقطة التي توقف عندها ذلك الأثر الأزرق. حتى عميدة الأكاديمية نفسها حبست أنفاسها لترى.
سرعان ما ظهر الفتى، أولاً بظهره، ثم من زاوية أخرى…
فتى ذو شعرٍ أسود وعينين سوداويين، وجهه الوسيم مبقّع ببعض الغبار، غير أنّ الوسامة ظلت تتجلّى فيه رغم ذلك.
بعد ثوانٍ من الصمت، دوّى الملعب كله بصراخ الفتيات.
بينما جلس أصحاب المقاعد العليا مدهوشين بما رأوا، بقيت المسؤولة عن المعلومات واجمة للحظة، قبل أن تقول بصوت مرتعش وهي تستعيد وعيها:
“لقد سمع كثيرون باسمه، آريس فون روثستيلور، الأمير الرابع لمملكة إسكْراتيا… لكن قلّة قليلة رأت وجهه، فهو لم يحضر قطّ أي مناسبة اجتماعية.”
ثم تابعت بنبرة حاسمة، كأنها تعلن ميلاد نجم:
“وهذا هو الظهور الحقيقي لـ آريس فون روثستيلور.”
أخوكم منصف ❤️
التعليقات