الفصل الخامس عشر: زواج

 

وسط الجليد والدماء، وقف لين يحدّق في يديه.

يدان ترتجفان، تشعّان بلونٍ أزرق غامق… غريب، لا يُشبه لون البشر.

 

من حوله، كانت الحلبة مذبحة. جسد هنا، ذراع مقطوعة هناك، وأشلاء ممزقة تكسو الثلج.

رائحة الدماء امتزجت ببرودةٍ لاذعة، تخترق العظم وتزرع داخله شتاءً لا نهاية له.

 

ثم سقط على ركبتيه، متشنجًا كأن عموده الفقري يتحطم فقرةً تلو الأخرى.

لم يُغشَ عليه فورًا… بل بدأ يسعل دمًا كثيفًا، أسود، ساخنًا كأنما يغلي من الداخل.

سعالته كانت مؤلمة حد التمزق، تُخرج الدم مع فتاتٍ من أحشائه.

اختنق بأنفاسه، واهتز جسده كدمية مشنوقة، تتلوى في نوبة موتٍ بطيء.

تفجرت العروق على رقبته وجبينه، وتدفقت الدماء من أنفه وعينيه وأذنيه، خطوطًا حمراء وسوداء تسيل على وجهه كأنه ينزف من كل فتحة فيه.

ثم ارتطم جسده بالأرض بعنف، كأن جثةً أُلقِيَت من السماء. ارتجّت الأرض تحته، وتناثرت بقع الدم حوله كزهورٍ شيطانية نبتت من الألم.

 

الملكة البيضاء لم تتحرك.

كانت تراقب بصمتٍ بارد، كأنها تشاهد مشهدًا متكررًا لا يستحق التعليق.

ثم رفعت يدها، وقالت بصوتٍ لا يقبل نقاشًا:

 

> “خذوه… ونظفوه.”

 

الخادمتان لم تنطقا بكلمة.

جرتا جسده المتجمد عبر الممرات، نزولًا، خلال طبقاتٍ من الصمت والجليد.

 

في أعماق القصر، كان الحمّام.

قاعة شاسعة، سقفها مقوّس كالسماء، يتدلّى منه بخارٌ خفيف كأنفاس أرواح.

وفي المنتصف، الحوض.

حوضٌ من حجر أسود ناعم، مملوء بماءٍ شفاف، بارد كالموت.

 

كان لين فاقد الوعي.

لم يقاوم، لم يتأوّه، ولم يُظهر أثرًا للحياة.

وُضع جسده برفق في الحوض، كجسدٍ بلا هوية.

وحين لامس الماء جلده، لم يستيقظ… لكن البرودة بدأت تنخر عظامه، وتتغلغل في أعماقه.

بردٌ لا يُشبه الشتاء… بل شتاءٌ يُحفر في الروح.

 

بدأتا العمل بصمت.

إحداهما أمسكت حجرًا ناعمًا، فركت به الدم المتجمّد عن صدره وعنقه.

الأخرى غسلت وجهه، شعره، أطرافه.

الماء صار أحمر، ثم ورديًّا، ثم شفافًا مجددًا.

كانتا تتعاملان مع جسد، لا مع إنسان.

 

وحين أنهى الماء مهمته،

رفعَتاه من الحوض.

جفّفتاه بقطعة قماش بيضاء ناعمة، ثم ألبستاه ثوبًا ضيقًا خفيفًا، بلون الثلج… بلا زخارف، بلا رموز.

كأنه كفنٌ معدّ لموكبٍ غير مقدّس.

 

لين لم يفتح عينيه.

لكن صدره كان يدق.

كأنه يتنفس مع الجليد. يتأقلم معه. يتشرّبه.

 

الممرات المؤدية إلى غرفة الملكة لم تكن عادية.

كل خطوة تُحدث صدى لا يُشبه الخطوات.

كأن الأرض تهمس. كأن الجدران تراقب.

 

عينا لين ما زالتا مغمضتين، لكن نبضه تغيّر.

شيءٌ داخله… كان يستفيق.

 

وصلوا إلى بابٍ مزدوج، من جليدٍ فضي، محفور عليه طلاسم تتحرك كلما رمشتَ.

 

> “ادخلوه.”

قالتها الملكة.

 

انفتح الباب من تلقاء نفسه، واندفعت منه أنفاس باردة، كأنها تصعد من قبرٍ عميق.

دُفع لين إلى الداخل.

 

الغرفة لم تكن غرفة.

كانت عالمًا آخر، مغلفًا بالجليد، تحوم فيه الأرواح، وتتموّج فيه الأصوات.

في منتصفه، سرير من الجليد الأبيض، تنسدل فوقه مظلّة خفيفة كالضباب.

وعلى العرش القريب… جلست هي.

 

الملكة البيضاء.

ثوبها يسحب خلفه النور.

عيناها كلون الدم المجمّد، تنيران الثلج… لا بالدفء، بل بالحكم.

 

لين استيقظ.

لكنه لم يتحرك.

جسده كان مرهقًا، عيناه غائمتان، وصدره يعلو بنفَسٍ مشوّش.

كان يشعر بالخواء… بشيءٍ يتكسر داخله. وربما… ببعض الرعب.

 

نظرت إليه، وهو على الأرض، مقيّد، نصف ميّت… لكنه لم يكن مكسورًا.

 

أمسكت من معطفه،

وقالت له:

 

> “اركع.”

 

ركبتاه اصطدمتا بالأرض، كأنما الأرض نفسها أمرته بالخضوع.

 

رفعت يدها.

ومن الهواء… خرجت سلاسل سوداء، تتلوى كأنها كائنات من ليلٍ حيّ.

التفّت حوله.

الرسغ، الكتف، العنق، الصدر…

كل حلقة تُغلق، كانت تحكم عليه بشيءٍ لا يُرى.

 

ثم اقتربت.

بخطواتها الهادئة، وقفت أمامه.

انحنت، ولمست جبينه بأطراف أصابعها الباردة، وهمست ببطء:

 

> “ما زلت تحتاج لبعض التأهيل…”

 

ثم ابتسمت.

تلك الابتسامة التي تُولد من صقيعٍ لا قلب له… كأنها شقّ في وجه الموت.

 

> “استعد لبدء مراسم الزواج… يا زوجي.”

 

MANGA DISCUSSION