الفصل الثاني: ضحكة لا تُغتَفَر
بدأ جيستر يسير مبتعدًا، وابتسامة ملتوية ترتسم على وجهه — ابتسامة مجنون.
ناداه فيلمورو:
“انتظر. لنأخذ كل ما هو مميز من تلك الخيمة.”
وأشار إلى بطاقات التاروت.
“خذ هذه أيضًا.”
ثم أضاف بنبرة خبيثة:
“وخذ البقية… أريد أن ألهو قليلًا.”
هزّ جيستر رأسه بحماس.
“هيا بنا! لا يزال علينا إيقاظ الآخرين.”
قفز من فرط الإثارة.
“سيكون من الممتع جدًا رؤيتهم مجددًا!”
رمقه فيلمورو بنظرة جانبية، ثم قال:
“وأيضًا… إن كنت حقًا تريد الاستمتاع، فعليك أن توقظ بركتك.”
“بركتي؟ ما هذا؟”
ابتسم فيلمورو ابتسامة ماكرة.
“البركة… شيء يمنحك القوة، ويجعل المرح أكثر جنونًا.”
“هل السكين معك؟”
“نعم. بحوزتي.”
“جيد. إذًا دعنا نذهب إلى الكنيسة.”
أمال جيستر رأسه باستغراب:
“لماذا؟ هل هناك متعة تنتظرنا هناك؟”
لم يُجِب فيلمورو. اكتفى بأن استدار وبدأ السير. تبعه جيستر دون تردد.
كانت الشوارع موحلة، يغمرها الضباب، والهواء يعجّ برائحة العفن والدخان.
ثم — سمعا.
صفعة. لحم يضرب لحمًا.
توقف جيستر. أمامه وقفت عائلة: أب، أم، وطفلة تبلغ من العمر نحو العاشرة — في سن جيستر تقريبًا.
صرخ الرجل وهو يهوي بقبضته:
“لماذا خنتِني؟!”
أجابته المرأة، بصوت متهدج:
“لم تهتم بالطعام… تركتنا بلا شيء.
هذه المدينة بلا عمل. اضطررت لحماية نفسي وطفلتي.”
لم يتردد. انهال بقبضتيه على المرأة والطفلة. وجنتاهما متورمتان، أعينهما منتفخة، والدم يسيل من شفاه مشققة.
وقف فيلمورو صامتًا.
ابتسم جيستر ببرود، قائلاً:
“دعنا نراقب. إنهم… يبدون سعداء.”
صرخ الرجل وهو يحدّق فيه بغضب:
“ما الذي تضحك عليه، أيها اللقيط؟!”
استدار إليه جيستر ببطء، وابتسامته تتسع بشكل غير طبيعي.
عيناه تتلألآن كخزف مشروخ.
همس بصوت ناعم:
“أوه… فقط تذكرت نكتة. هل تود سماعها؟”
زأر الرجل:
“هاتها، أيها المهرج. دعنا نسمع نكتتك القذرة!”
رفع جيستر إصبعه — كقائد أوركسترا يستعد لعزف سيمفونية من الصراخ.
جيستر:
“كان هناك رجل يضرب زوجته كل يوم.
ظنّ أن الضرب سيجعلها مخلصة.
فاشترت له هدية — قبعة خضراء.
ارتداها بفخر، دون أن يدرك معناها.
وكل لكمة منه… جعلت القبعة أكثر اخضرارًا.”
ضحك… ثم انفجر ضحكه بصوت مشروخ، مرتجّ، كأنّه يُقشّر جدران الزقاق بأظافر الصمت.
ثم تابع وهو يضحك:
“وفي النهاية، لم تتركه.
فقط… تركت الباب غير مقفل…
ودعت الجار للدخول.”
تلوّى وجه الرجل، وبرزت عروق عنقه، وعيناه تحترقان بالغضب.
قال الرجل : “أتظن هذا مضحكًا؟!”
اقترب منه جيستر خطوة، وهمس:
“أراه مضحكًا جدًا.
لقد ارتديت تاج الملوك…
لكنه كان مجرد قبعة خضراء مبللة بغبائك.”
هااااااااااااااه!!
انقضّ الرجل عليه.
تفاداه جيستر برشاقة، وبضربة من سكينه، سقطت ثلاثة من أصابع الرجل على الأرض، واندفعت الدماء كنافورة من الألم.
صرخت المرأة، وألقت بنفسها أمام زوجها — يائسة، مكسورة، تنزف.
لكن جيستر لم يطرف له جفن.
انغرس نصل السكين في صدرها كما لو كان يكتب رسالة حب… من فولاذ.
اختنقت، وفاض الدم من فمها، ثم انثنت ركبتيها وسقطت على الطين.
اقترب منها جيستر، مبتسمًا من الأذن إلى الأذن.
جيستر:
“إليكِ نكتة، عزيزتي…
ما الفرق بينكِ وبين كيس الملاكمة؟”
انتظر لحظة… يراقب ارتجاف عينيها.
“كيس الملاكمة… لم يقل “ما زلت أحبك” بعد كل لكمة.”
شهقت، ودموعها تتلألأ في عينيها.
همس جيستر بصوت ساخر يشبه الحزن:
“آه… لا تبكي. ستُفسدين الأرضية.”
ثم دفع جثتها عن نصل السكين، فارتطمت بالأرض كقمامة أُلقِيَت من نافذة.
استدار إلى الرجل، لا يزال يتلوّى من الألم.
جيستر:
“أنت ضربتها لأنها بقيت…
وبقيت لأنها ضُربت.
يا لها من لعنة جميلة.”
“لا تقلق — لقد كسرت الدائرة.”
حاول الرجل الهجوم مجددًا.
لكن جيستر أمسك بيده الأخرى، وقطع ثلاثة أصابع أخرى — من اليد الثانية.
جيستر:
“الآن هما متطابقتان. يمكنك استخدامهما بالتساوي لاجل عائلتك.”
حاول الرجل أن يعضّه…
لكن جيستر غرس السكين في فمه — حتى خرجت من مؤخرة جمجمته.
سحب السكين ببطء.
ثم نظر إلى الطفلة —
لكنها لم تصرخ.
لم تبكِ.
فقط وقفت هناك… تحدّق بجثتي والديها.
عيناها ساكنتان… أكثر مما ينبغي لطفلة.
كأن العالم انتهى… وما تبقّى هو مجرد غبار.
رمى لها جيستر السكين.
أمسكته — لكنها لم تتحرك.
خرج صوتها خافتًا… باهتًا…
كأنها تتذكّر، لا تتحدث.
تمتمت الطفلة:
” لقد كانوا يقولون لي أن أبتسم…
حتى عندما أنزف.”
نظرت إلى انعكاسها في الدم، وقالت:
“فابتسمت… حتى نسيت وجهي كيف يتوقف.”
أمال جيستر رأسه باهتمام.
رفعت عينيها إليه. لم تكن خائفة.
كانت… فارغة.
“هل هذه… اللحظة التي أصبح فيها مثلك؟”
اقترب منها ببطء، وجثا بجانبها.
جيستر:
“فقط إن ضحكتِ عندما يؤلمك الأمر.”
ارتجف شفتيها… وظهرت ابتسامة.
لكنها لم تكن فرحًا.
ولا جنونًا.
كانت استسلامًا — ابتسامة طفلة لم يبقَ لها شيء سوى الغريزة.
أخذ جيستر السكين منها بلطف.
ثم بلحظة اخترق السكين رأسها.
دون تحذير.
ولا كلمة.
أمسك السكين وهي تسقط.
وهمس لجسدها:
“إجابة خاطئة.”
استدار نحو فيلمورو.
جيستر:
“كنت أظن أن لديها بعض الإمكانيات.”
ضحك فيلمورو وهو يهزّ رأسه:
“كانت تملك. لكنها كانت محطّمة سلفًا…
والألعاب المحطّمة لا تضحك بشكل صحيح.”
ثم رسما ابتسامات على وجوه الجثث.
واختفيا في ضباب الشوارع.
Comments
Comments are being downloaded ...
Failure to download the comments.Please re -download the page.