الفصل الأول: الطفل الذي لم يكن ينبغي أن يولد
في زاوية قذرة من مدينة “فايرمور”، حيث يكثر اللصوص وقطاع الطرق والقتلة، كان الهواء مثقلًا بالطين والضباب والرائحة النتنة.
تتردد صرخات الرجال السكارى المتشاجرين من الأزقة المعتمة، وكل نفس يُسحب من هناك كان مشبعًا بالعفن والتلوّث.
في هذا الجحيم، وُلد طفل يُدعى “جيستير”—صبي ذو شعر أبيض لافت، وعينين تمزج بين الرمادي والزيتوني، وكأن الضباب قد امتزج بغابة عتيقة.
كان الناس يحدقون فيه كما لو كان مركز العالم.
في البداية، ابتهج والداه.
كان يضحك كثيرًا، كثيرًا جدًا… كما لو أن كل شيء في العالم يُضحكه.
وغالبًا ما كان يتحدث إلى أشخاص غير موجودين، واصفًا إياهم بتفاصيل دقيقة:
رجل طويل يرتدي قناعًا أبيض،
فتاة برأس على شكل بالون وابتسامة مخيطة،
بهلوان بأصابع من السكاكين.
كان يقول بسعادة:
“هؤلاء أصدقائي.
إنهم يلعبون معي عندما تكونان نائمين.”
كان والداه يعتبران ذلك مجرد خيال طفولي.
“مجرد أوهام… ستزول عندما يكبر،” كان يقول والده.
لكنها لم تزُل.
استمر الضحك، ترددت ضحكاته غير المرئية في زوايا الغرفة.
كان يهمس للنّقاط المظلمة، ثم ينفجر ضاحكًا بلا سبب.
وأحيانًا… كانت ألعابه تتحرّك من تلقاء نفسها.
وفي إحدى الليالي، وجدت والدته كلمة “مُتعة” محفورة على الجدار فوق سريره.
وعندما سألته من فعل ذلك، أجاب ببساطة:
“فيلمورو.”
وذات يوم، مرّ أحد الجيران بجانب منزلهم، ليشهد مشهدًا مروّعًا:
الطفل كان يقطع رؤوس خمسة كلاب.
أحدها عضّه في يده، لكنه لم يغضب، بل ابتسم، وبدأ في طعن بطن الكلب بسكين.
يوماً بعد يوم، كان ضحكه يعلو.
بدأ أهل المدينة يشعرون بالقلق، ثم تحوّل القلق إلى خوف.
مرعوبَين من ابنهما، أخذه والداه إلى قارئة تاروت.
في خيمة مظلمة، جلست امرأة على كرسي بالٍ، وأشارت إلى الطفل أن يقترب.
سألته:
“لماذا تضحك؟”
فأجاب جيستير مبتسمًا:
“لأن أصدقائي يلعبون معي دائمًا.”
قالت:
“كم عدد أصدقائك؟”
أجاب:
“أكثر من ثلاثة.”
سألته مرة أخرى:
“ومن أفضلهم؟ هل يمكنك وصف وجهه؟”
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي جيستير، نظر إلى جانبه، وأشار إلى الفراغ.
تجمّد والداه في مكانهما، الرعب ينهش وجهيهما، وقد أصبحا على يقين بأن ابنهما ليس طبيعيًا.
قال جيستير:
“إنه يقف هناك… يرتدي قناعًا أبيض، له عينان حمراوان تلمعان، وبشرة معدنية شاحبة، ورداء ملكي أحمر مطرز بالذهب… إنه يبتسم طوال الوقت، بابتسامة شريرة… ويرتدي تاجًا حادًا… وعيناه ترى كل شيء.”
“اسمه… فيلمورو.”
ساد الصمت داخل الخيمة، كأنه دخان كثيف يخنق الأنفاس.
مدّ جيستير أصابعه الشاحبة نحو بطاقات التاروت، دون تردّد، وابتسامته تتّسع.
اختار خمس بطاقات، وكل واحدة منها انزلقت عبر الطاولة كما لو كانت تتحرك بأيدٍ غير مرئية.
—
🃏 التاج القرمزي
دماء على عرش الملوك.
ملك مقطوع الرأس.
وتاج لا يستحقه إلا القساة.
🃏 المرآة الضاحكة
انعكاسات محطّمة.
ضحكة تتردد عبر العوالم.
🃏 القلب المُتّشح بالأشواك
ألم يرتدي قناع الحب.
وأشواك تتفتح من الولاء.
🃏 دمية المهرج المعلّقة
خيوط، خيوط، وتصفيق.
من يحرك الخيوط… يصير إله المسرح.
🃏 الملك بلا وجه
لا اسم. لا هوية.
فقط قناع… وجوع لسرقة كل الوجوه.
—
ارتجفت المرأة.
همست:
“أنت… لست طفلًا.”
“إنها لعنات… متخفّية في هيئة هدايا.”
ثم التفتت إلى والديه، تصرخ:
“ابنكما ملعون! يجب أن تُنهوا حياته الآن! لا يجب أن يُسمح له بالعيش!”
لكن قبل أن تنطق بكلمة أخرى، خرج فيلمورو من الظلال، وأمسك بعنقها.
مدّت يدها نحو سكينها…
لكن الأوان كان قد فات.
كانت قد ماتت.
نظر والداه إليه وكأنهما يريان وحشًا غريبًا لأول مرة.
صرخ والده، وركله بشدة في بطنه، وألقاه خارج الخيمة.
ممددًا على الأرض، رفع جيستير رأسه نحو فيلمورو وسأله:
“لماذا أبي غاضب؟
هل فعلت شيئًا خاطئًا؟”
ناولَه فيلمورو سكينًا من الخيمة، وهمس له:
“هو وأمك… يريدان اللعب معك.”
أخذ جيستير السكين، وفجأة، تعالت ضحكات هستيرية من العدم.
وانضم إليهم.
ومن داخل الخيمة، صرخ والده:
“ابتعد عني أيها الوحش!”
بدأت طاقة سوداء تدور حول جيستير.
تقلّصت حدقتاه.
واشتدّت قبضته على السكين.
ثم… غمر الظلام كل شيء.
بعد لحظات، كان والداه ممددين وسط بركة من الدماء.
وكان جيستير ينحت وجهًا ضاحكًا على جلدهما.
ثم التفت إلى صديقه.
“لماذا لا يتكلمان؟”
ابتسم فيلمورو:
“لقد استمتعا كثيرًا… حتى ماتا بسعادة.”
ضحك جيستير:
“هذا مضحك.”
“أريد المزيد من المتعة.”
غادر مع فيلمورو.
والسكين يقطر دمًا.
“أريد المزيد من المتعة،” قال مرة أخرى.
أومأ فيلمورو ببطء:
“مسرح عظيم بانتظارنا.”
اقترب أكثر، وعباءته القرمزية تتمايل كأنها لهب حي، ملكية ووحشية.
“هذا العالم، يا جيستير… ليس سوى مسرح عظيم من الظلال.” 🎭
“وتحت قناعه… تنتظر ضحكاتنا أن تولد.”
هاهاهاهاااااااااااااااااااااااااه!!
انفجر فيلمورو وجيستير في ضحك هستيري مجنون—
وفي مكان ما، خلف حجاب العقل،
ارتفعت الستارة عن مسرحهما المشوّه.
Comments
Comments are being downloaded ...
Failure to download the comments.Please re -download the page.