الفصل00: الوعاء البشري 

” سحقا ”
” أنا لا أصدق بوجود شيىء كالحظ “
” لكن لما أنا سيئ الحظ لهذه الدرجة ؟ “
كايبر دخل شقته المستأجرة بعدما علق في شجار مع مالك البناية بسبب تأخير الدفع هذا الشهر.

كانت حياته تعيسة و صعبة لدرجة لا توصف٫ كايبر من عائلة كرايفن الذي أصبح و أخته الصغرى يتيمان منذ سنين.
كان قد دخل لتوه الى شقته المستأجرة و معه مخطوطة ملوثة بالتراب و بقع دماء جافة.

 

استثمر النقود التي سيدفع بها أجرة الشهر المقبل للشقة من أجل هذه المخطوطة القديمة٫ ابتاعها من تاجر عجوز قيل أنه يتنقل ببضاعته الغامضة في مختلف أرجاء المدن.

” حري بتضحيتي أن تكون تستحق…. أقسم أنني سأزعجه في حياته إذا لم أستفد من هذه القمامة “
تذمر كايبر أكثر لكنه كان يتجول هنا و هناك لجلب الأشياء اللازمة من أجل تنفيذ ما أخبره به البائع العجوز.

سكين من المطبخ و وعاء فارغ٫ جلس في منتصف الغرفة متربعا على الأرضية٫ أمامه بمترين نظر باستحقار الى مكتب الدراسة المصنوع من الخشب القاسي٫ على يمين المكتب كانت مجموعة كتب مرتبة جيدا و في المنتصف كتاب مفتوح بورق أصفر خشن و قلم الرصاص لا يزال فوقه.

تأمل قليلا في الشمعة التي استهلكت نصفها لإضاءة مكان دراسته و قال ساخرا.
” لو كانت الدراسة مفيدة للفقراء لما كان هنالك تمييز “
تذمر كعادته مؤخرا.

على جدران الغرفة الصغيرة هذه ظهرت أنابيب الغاز الرمادية و مصابيح الحائط المعلقة عليها ذات نور اصفر باهت٫ مصابيح الغرفة و الشقة عموما كانت بطراز كلاسيكي ذات طبقة من الزجاج الشفاف التي تمركزت وسط شباك معدني أسود.

النور الأصفر الباهت على أطراف الغرفة جعل منتصفا مظلما قليلا خصوصا و أن المصابيح ليست كلها تعمل.
منحه هذا شعورا طفيفا بالخوف لكن سرعان ما تجاهله

نظر خارجا عبر النافذة٫ الغيوم كانت تحجب القمر و نوره.
فكر في الانتحار مرة من قبل لكنه لن يفعلها و يترك شقيقته الصغيرة تحارب مصاعب الحياة وحدها.
الشقة التي استأجرها كانت من غرفة و مطبخ فقط بينما يوجد مرحاض عمومي واحد لكل طابق في البناية.

لم يقبل على أخته أن تعيش هكذا لكن لم يكن لديه خيار خصوصا بعد موت والده الذي حدث بعد أشهر من موت والدتهم و لحسن الحظ أنها تعرفت على صديقة متواضعة في مدرستها فعندما عرفت عن حياة أخته الشخصية و مكان عيشها عرضت عليهم أن تعيش ميليسا معها في بيت عائلتها المكونة من أب و أم و ثلاثة أخوات.

” أضن أنني استهلكت كل حظي في هذا “
سخر في نفسه و اخذ نفسا عميقا لينظرا الى ما في جعبته.

” لنرى إذا٫ قال العجوز أن علي رسم نفس الشكل حولي و أنا جالس بدمي الخاص “
أخرج من جيبه كومة من ريش الحمام و قهقه فور تذكره المشهد و هو ينتف ريش تلك الحمامة التي دائما ما أزعجت نومه في صباح الجمعة الباكر.

كان قد نسق الريش معا كما لو كان سيصنع مكنسة صغيرة٫ هذا ما قاله التاجر العجوز٫ فهو ينفذ فقط.
وضع الريش على جانبه و من جيبه الآخر أخرج علبة طبية بسيطة مكونة من ضمادات و ابرة و خيط و معقم.

وضعها على جانبه أيضا و حمل السكين بيده اليسرى كما وضع يده اليمنى فوق فوهة الوعاء أمامه.
أخذ شهيقا عميقا و زفر ببطئ ليتجاوز التوتر٫ ضغط على أسنانه و مرر السكين ليقطع الوريد على جانب المعصم.

” ااه٫ هذا يلذع حقا…. سحقا لك أيها العجوز “
صر أسنانه و رمى السكين بعيدا ليضغط على ذراعه من فوق الى تحت حتى يسرع وتيرة تدفق الدم.

بدأ يشعر بالدوار و الغثيان لكنه ركز أكثر و ترك القطرات تتدفق في الوعاء الذي امتلأ اكثر من نصفه٫ مدد يده اليسرى قريبا من مكانه لسحب سيجارة كان قد جهزها مع ولاعته الخاصة٫ بدأ التدخين بعد موت والده بأيام فقط.

بعد أن نشط عقله بشهقات قليلة من السيجارة اطفأها على الأرض و رماها بعيدا محتفظا بالولاعة فقط.
اخذ الضمادة من علبة العلاج و قام بربط عقدة في العضد بين الكتف و مرفق ذراعه اليمنى النازفة.
فتح قارورة المعقم و سكبها على الجرح٫ لم يتأثر بلسعة التعقيم و واصل عمله بلف الضمادة حول يده لتغطية مكان الجرح و رمى العدة فور انتهاءه من التضميد.

” الآن يبدأ العمل الجاد…..لكنني لا أصدق أن الشخص سينسى هذه الرسمة البسيطة اذا لم يمتلك المخطوطة “
تذكر كلام العجوز عن هذه المخطوطة القديمة ….ثم تذكر شيئا لم ينبغي عليه نسيانه.
” كيف كان وجه ذالك الفاسق العجوز ؟ هل نسيته ؟ “
” لا تهتم …..لنبدأ “

رمى الأفكار المشتتة عن عقله و ركز في عمله الرئيسي.
حمل فرشات الريش بيده اليسرى فقد كان أعسر.
نقعها في وعاء الدم عدة مرات ليرفعها و يضعها على الأرضية من أجل تشكيل الرسمة من المخطوطة أمامه.

دائرة بسيطة تكون محيطة به و بجعله هو كمركز رسم أربعة خطوط متعرجة تربطه بالدائرة و تقسمها الى أربعة مساحات فارغة.

” ألا يجب على طقوس كهذه أن تتم ممارستها ليلا أو في وقت محدد ؟ هل حقا خدعني ذالك العجوز ؟….. سحقا لهذا ها أنا ذا أشتت أفكاري مجددا “
كان هذا التفكير الزائد ناتج عن التوتر و ندمه لتضييع المال الذي كان من المفترض أنه سيدفه به ثمن أجرة الشهر القادم.

نظر الى المخطوطة بتركيز شديد ثم الى البقعة الفارغة أعلى اليمين٫ ملأ فرشاته بالحبر الأحمر مجددا و وضعها على مساحة الرسم الخشبية.

رسم أشكالا و رموزا معقدة في كل الفراغات الأربعة و على فوق محيط الدائرة رسم ثلاثة عشر رمزا خاصا. هذه كانت نهاية عمل الفرشات لذا قام برميها بعيدا اين رمى السيجارة سابقا.
حمل الوعاء بما بقي فيه من دم بيده اليمنى و رفعه ليسكبه فوق رأسه ثم تخلص منه كفرشات الريش.

ترك الدماء تتقاطر على ركبتيه و اخذ نفسا عميقا يتذكر الجزء الأخير من هذه الطقوس الغامضة٫ تلاوة خاصة.
مقاطع عليه قولها بصوت مسموع فور إشعال الدائرة التي رسمها من الدم بالنار.

” أنا كايبر إبن هالاند كرايفن و سامانثا لورينا “
” أقدم دمي و عرقي في سبيل توصيل صوتي لكم “
” لتحقيق أمنيتي و لحماية عائلتي “
” احرق خيط حياتي في سبيل الحصول على رضاكم “
” أناشد الزوايا الأربعة و الأوصياء الثلاثة عشر “

ساد الصمت… صمت تسمع فيه دقات القلب.
لم يرغب كرايفن بلوم حظه مجددا لأن شيئا لم يحدث فلربما هذا يفسد الطقوس لذا انتظر بصبر.
انتظر حتى حدث التغيير.

الغرفة القديمة أصبحت مظلمة داكنة كما لو لا مصابيح فيها و حتى أن أنماط الجدران التي كان يراها رغم الظلام اختفت كما لو أن المساحة تمددت و توسعت لتزيد الظلام ظلمة .
” هل نجحت إذا “

فجأة سمع ذالك الصوت…. تلك الضحكة القادمة من بعيد.
تقترب شيئا فشيئا لتصبح أقرب و أقرب إليه و لأذنه
أقرب إلى قلبه.
” يااااااهاهاهاهااااا٫ جميل٫ وعاء آخر “

” من أنت….. أين أنت ؟ “
خفق قلب كرايفن و فزع من الصوت و الضحكة المجنونة.
لم يفهم كلام صاحب الصوت رغم أنه تكلم بنفس لغته.

” لا تجعلني حزينا يا فتى…. هل نسيتني بهذه السرعة ؟ “
الظلام لا يزال سائدا لكن الصورة تتوضح ببطئ أمام بصر كرايفن الذي اقشعر بدنه و لا يزال متوترا من الصوت.

” هل أنت من سيمنحني القوة إذا ؟ “
ذهبت السخرية التي لازمت كرايفن بسبب الخوف.
لكنه لم يستقبل أي إجابة٫ فقط الصورة التي تستمر في التوضح أمامه ببطئ.

” هل أنا أهلوس بسبب فقدان الدم ؟ ذالك العجوز الفاسق “
تذمر كايبر و غضب عندما رأى العجوز.

” اوه ٫ لديك فم بذيئ حقا لتشتم عجوزا أراد مساعدتك “
توضحت الصورة أخيرا٫ صاحب الصوت الضاحك كان نفسه التاجر العجوز الذي باع المخطوطة له.

” أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟ هذه غرفتي٫ كيف دخلت ؟ “
غضب كرايفن أكثر عندما رأى العجوز مبتسما أمامه.

” أنا هنا أمامك ….. من سيمنحك أمنيتك “
رفع العجوز ذراعين و بسطهما في الهواء متفاخرا.

” أنت ؟ أعرج يريد منحي القوة ؟ فلتخرج من بيتي “
اندفع كرايفن ليضرب من شدة غضبه لكن حدث ما لم يستوعبه حيث أن العجوز اختفى.

” بشري مثير للشفقة “
ظهر العجوز مجددا و استمر في وضعية وقوفه أمام كرايفن٫ يسخر منه كما لو لم يكن هو نفسه بشريا.

” ماذا تكون أنت ؟ “
لقد تم ترويضه بالفعل فقد شهد لتوه شخصا يختفي من أمامه و يظهر مجددا في طرفة عين.
دون ذكر المكان الذي يبدوا مثل كل شيئ إلا غرفته.

” الطقوس التي فعلتها تنادي على مجموعة من الكيانات العلوية الغامضة و لا أحد منهم اهتم بك غيري أنا “
تكلم العجوز و بدى أنه صادق في لسانه٫ حتى أنه صرح بأنه هو الكيان الذي سيمنحه القوة.

” هل الكيانات هم الزوايا الأربع و الأوصياء الثلاثة عشر ؟ “
كرايفن أظهر حماسته و سأل رغما عن خوفه.

” ذكي٫ و أنا أحد الزوايا الأربع٫ اعرف صعوباتك في الحياة “
” فالحياة غير عادلة٫ البشر ليسوا عادلين أيضا “
” ماذا لو مت و تركت اختك الصغيرة الجميلة ؟ ألن تصبح كغزالة بين الضباع ؟ “
تكلم العجوز أكثر و أكثر بينما يقترب ببطئ من كرايفن الذي بدى و كأنه تحت تنويم عقلي.

” نعم….ستكون في خطر٫ لهذا أريد القوة و المال “
اجابته كانت نابعة من إرادته فهذا ما أراده حقا.

” هل تفعل هذا كله من أجل أختك العزيزة ؟ “
العجوز أصبح يتكلم و هو ممسك برأس كرايفن من جانبيه بكلتا يداه القديمتان.

” نعم…. فهي عائلتي الوحيدة٫ ليس لي غيرها “
كرايفن الآن تكلم من أعماق قلبه٫ لو قيل له أن أخته ميليسا ستعيش كأميرة مقابل حياته لقدم قلبه و روحه طواعية.

” إذا وعدتك بجعلها تعيش في رفاهية خالصة و بأمان تام فهل ستعدني بتقديم حياتك لي ؟ “
العجوز تكلم أكثر و الابتسامة العريضة اصبحت خبيثة اكثر و أكثر شرا بأسنانه الصفراء الملوثة بالسواد.

” نعم…. أعدك “
كرايفن أخرج كلمة الوعد من فمه و شعر أن حملا بثقل الجبال أزيل عنه.

شعر براحة غامرة و سعادة لا توصف.
سعادة أصبح ممتنا لها أكثر خصوصا و أنه التقى مع والديه و سقط مرتاحا في أحضانهما.

بينما العجوز سخر بضحكته.
” هيهيهي٫ خططي لا تفشل أبدا….. إنسان غبي متفائل

” شيطان مثير للشفقة٫ تسرق فرص البشر في التجاوز؟ “
صوت عميق من باطن المكان المظلم.

” ماذا تكون أنت ؟ “
سأل العجوز في حيرة من الصوت الدخيل حتى صعقه الادراك.
” هممم….. لماذا أستشعر قوة الظل منك “

” هل ستبقى في صورة العجوز أمامي ؟ “
الصوت الثقيل فضح حقيقة أخرى للعجوز.

” أنت تعرف ما أكون بالفعل و تعرف أن هذا البشري لن يعود حيا مطلقا “
اختفت تلك الأسنان الصفراء و اللحية الشائكة القذرة.
انتفض العجوز و تبخر ليصبح شيئا غير مادي ينتشر في هذا الظلام.
لو تم التقاط صورة لكانت ستبدو كما لو أن الظلمة في جهة و الدخان الداكن في جهة أخرى.

” عد أدراجك و اترك الوعاء دون مشاكل٫ هذا ثمن الحفاظ على عبثك و بقاءه سرا “
من أو ما نطق بهذه الكلمات كان هادئا جدا.

” هيهي٫ حسنا حسنا٫ لم أتوقع أن تجسيد الظلام سيشرفني بالحظور شخصيا٫ عذرا بل قصدت وصي الظل “
صدر الصوت من الذي كان في صورة عجوز سابقا.

” اهتم بشؤونك٫ الوداع إذا٫ أيها الشيطان الداكن “
الظلمة تكلمت و الظلال استيقظت٫ هذا إعلان من صاحب الصوت على أنه لا يمزح و لن يتراجع.

” تسك٫ تجسيد الظلام تخلى عن فخره حقا و اختار وصيا من بشر تلك العشيرة “

” سأتذكرك أيها البشري “

تلك الضب

ابة الداكنة اختفت تماما كما لو لم توجد.

بينما الظلام و الظلال المتشابكة في المكان تقلصت و تقلصت لتشكل في الأخير شكلا مألوفا.
كايبر كرايفن.

MANGA DISCUSSION