الفصل الرابع : تكرار ، ملل 

 

تزايدت الأيدي من حوله، تتسابق لتمزيق جسده واقتناص المزيد من صرخات الألم من شفتيه. حاول التشبث ولو بذرة من الأمل، لكنه كان عالقًا في دوامة لا نهائية من الرعب واليأس. الأيدي الشاحبة زحفت نحوه ببطء، وكأنها تعده بمصير لا مهرب منه، مصير غارق في ظلمة لا نهاية لها…

 

وهكذا، بدأ مجددًا ذلك الدوران الجهنمي من التمزيق والتشويه، مبتدئًا من عينيه، ثم ممتدًا إلى كل جزء من جسده…

 

 

 

 

في لحظة ما، بدأت الأيدي تتحور، متخذة أشكالًا بشرية غريبة، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الإنسانية. ملامحها مشوهة بشكل مرعب—بعضها امتلك أفواهًا حيث يفترض أن تكون العيون، وبعضها كان بلا أي ملامح على الإطلاق، فيما كان لبعضها أذن ضخمة مشوهة تحل محل الرأس.

 

أما “إيك”، الذي اعتاد الألم بعد مئات الدورات من التمزيق، فقد حدّق في المخلوقات التي التهمت أحشاءه، مشاعر الاستغراب مرتسمة على وجهه المنهك.

 

“هذا غريب… كانت هذه المخلوقات تبدأ دائمًا بتمزيق رأسي، لكن هذه المرة بدأت ببطني…!”

 

بينما كانت مخالبهما تغرس في جسده، درس “إيك” حركاتها بعناية. قبض يده المرتجفة وأطلقها كالسهم نحو رأس أحدها—وفي لحظة، انفجر الرأس إلى أشلاء سوداء متناثرة وقطع جلد باهتة.

 

نظر إلى قبضته الملطخة بالسائل الحالك، وتأمل للحظة.

 

“يبدو أنني أصبحت أقوى مما كنت عليه في المحاولة السابقة… في السابق، كنت بالكاد أخدش رؤوسهم، أما الآن… فأستطيع تفجيرها بالكامل.”

 

أغمض عينيه مجددًا، منتظرًا بداية الدورة الجديدة…

 

مرت فترة من الزمن، ثم بدأ جسده يتعافى. العظام المحطمة التحمت، لكنها لم تعد كما كانت، بل ازدادت قوة. اللحم الممزق عاد ليلتصق، لكنه أصبح أكثر صلابة. الأعضاء نمت من جديد، أكثر صحة وكفاءة من ذي قبل. وعندما اكتمل التجدد، وقف “إيك” بجسد أعيد تشكيله من رماد الألم والموت.

 

لكن هذه المرة، لم يبقَ مستلقيًا، منتظرًا مصيره المحتوم. كان قد اتخذ قراره—سيتحرك.

 

وقف بثبات.

 

ثم ركض.

 

أسرع من أي وقت مضى، بسرعة جعلت صورًا لاحقة تتبعه كظلال صامتة. وأثناء ركضه، بدأ لأول مرة يراقب محيطه بتمعن، بعينين أكثر حدة، وأكثر قدرة على التقاط تفاصيل هذا العالم الكابوسي الذي وجد نفسه محاصرًا فيه.

 

امتد بصر “إيك” لمئات الكيلومترات في جميع الاتجاهات. رأى كل شيء بوضوح مذهل—أرضًا من سائل أسود كثيف، سماءً رمادية خالية من الحياة، شمسًا حالكة السواد، وسلاسل من الجبال الباهتة التي تلوح في الأفق.

 

لكن، لم تكن جبالًا.

 

إلى عين إنسان عادي، ربما بدت كذلك، لكن إلى “إيك”، بحواسه المتطورة، كانت شيئًا آخر تمامًا—أكوامًا متراكمة من مخلوقات بيضاء مشوهة، أجسادًا ملتوية متشابكة، كأنها جبال من اللحم الميت، تنتظر أن تتحرك في أي لحظة.

 

غير أن وسط كل هذه الاكتشافات القاتمة، برزت حقيقة واحدة.

 

لقد اكتسب قدرة جديدة.

 

موهبة غريبة وغير مفهومة، تسمح له بالاختباء داخل الظلام، داخل الظلال، داخل كل ما كان أسودَ نقيًا. لكن الأهم من ذلك كله، أنه أصبح قادرًا على تجاوز سطح السائل الأسود، الغوص داخله، كأنه لم يكن موجودًا قط.

 

ولم يعد بحاجة للهواء، أو الطعام.

 

فالظلام نفسه أصبح غذاءه، يغذي جسده، يعيد بناءه كلما تعرض للضرر… بشرط واحد—ألا يلمسه الضوء.

 

كانت هذه القدرة ملاذه.

 

وفي هذا العالم الغارق في الليل الأبدي، كانت سلاحه الأعظم.

 

فعّل “إيك” قدرته، وغاص أسفل السطح الأسود، الذي انفتح له كما لو كان يستقبله كواحد من أبنائه.

 

“إذا لم يكن هناك شيء على السطح… فلا بد أن مفتاح الخروج يكمن في الأعماق.”

 

بهذه الفكرة، سبح “إيك” إلى الأسفل، غائصًا في المجهول، عيناه تمسحان الظلمة بحثًا عن أي إشارة، أي خيط للخلاص.

 

مضى وقت طويل…

 

ثم رأى شيئًا.

 

نقطة صغيرة من ضوء أخضر داكن.

 

في البداية، بدت مجرد ذرة ضائعة في بحر السواد، لا تكاد تُرى.

 

لكن مع كل حركة، كل اقتراب…

 

بدأت تكبر.

 

بدأت تتضح ملامحها.

 

ومع كل خفقة قلب وهو ينجرف نحوها…

 

بدأت الحقيقة تتشكل أمامه.

 

MANGA DISCUSSION