الفصل الثالث: الظلام؟؟؟
(ملاحظة: تم اختصار اسم إيكاروس إلى “إيك”—تعودوا على الأمر.)
بدت الأمور بأسرها وكأنها ضربٌ من الجنون، بدءًا من الزلزال الذي وقع، وصولًا إلى تلك اليد الغريبة. وأخيرًا، حين أتيحت لي لحظة للتفكير، بدأت أتساءل في نفسي عن ذلك المجهول الذي أطلق على نفسه “القناع الأحمر”. حينها، تذكرت ما قاله لي—لقد زعم أنني كنت صديقًا قديمًا له. لكن الأمر المحيّر أنني لا أملك أي أصدقاء. لقد عشت حياتي بأكملها وحيدًا، ربيت نفسي بنفسي، وشكلت ذاتي حتى أصبحت ما أنا عليه الآن. ولكن، ماذا كان يقصد حين أخبرني أنني قد لا أتذكره؟ الأمر ليس وكأنني عالقٌ في حلقة زمنية مجنونة أو شيء من هذا القبيل…
فكر إيك بقلق شديد، ولوّح بيديه أثناء الركض، محاولًا الوصول إلى نهاية هذا الفراغ الشاسع الذي لا يبدو أن له حدًا.
اركض!
اركض!
اركض!
واصل إيك الركض لنصف ساعة في هذا الامتداد اللامتناهي. بدأ التعب يرتسم على وجهه، وزادت أنفاسه اضطرابًا وهو يلهث بصعوبة، يكافح لالتقاط الهواء.
وبعد فترة أخرى قصيرة، بدأت عضلاته تحترق من شدة الإرهاق، تصرخ طلبًا للراحة. وبينما كان جسده ينهار، كانت الأفكار تتدفق كالشلال في ذهنه المنهك.
“لماذا لا يوجد نهاية لهذا الظلام؟ لقد كنت أجري لنصف ساعة، ومع ذلك، لم أصل إلى أي شيء… لا جدران، لا حواجز، لا شيء.”
أجبر نفسه على الاستمرار لمدة خمس عشرة دقيقة أخرى، إلى أن انهار جسده تمامًا من شدة التعب. وبينما كان مستلقيًا، راودته فكرة واحدة أرعبت كيانه بأسره.
“لماذا لا توجد نهاية لهذا الظلام؟ لقد كنت أركض لما يقارب الساعة… هذا لا يعقل أبدًا!”
تمدد على الأرض المجهولة، تزايدت أنفاسه الحادة والمتقطعة، وبدأ الخوف يزحف إلى ملامحه.
“لا، ليس الآن… أرجوك، ليس الآن!”
توسل إيك بيأس، وهو يقبض على صدره بقوة، بينما تسارعت أنفاسه، في محاولة يائسة لسحب أكبر قدر ممكن من الأوكسجين.
“تبًا، ليس الآن، أيتها الفوبيا اللعينة!”
صرّ إيك على أسنانه وأحكم قبضته على قميصه، فيما بدأت أعراض نوبة الهلع تظهر عليه. جسده اهتز بعنف، أطرافه ترتجف وكأنها تقاوم مصيرًا محتومًا. تقلّب على الأرض، وعقله يغرق في دوامة من الرعب.
عضّ!
غرس أسنانه في لسانه، محاولة يائسة منه للبقاء متيقظًا.
“تبًا لك، استفق يا إيك! لا تفقد وعيك، ليس هنا! عليك أن تخرج من هذا المكان… عليك العودة إلى سريرك العزيز… خزخز…”
تمسك ذهنه بصورة سريره المعتاد—خزخز. لكن قبل أن يتمكن من التشبث بذلك الأمل الباهت، ظهرت أمامه كابوس جديد.
بدأت أيادٍ مظلمة تتكوّن من الماء الأسود المحيط به.
لاحظ إيك الأمر بعد فوات الأوان.
“اللعنة، اللعنة، اللعنة! من أين أتت هذه الأيدي اللعينة؟!”
صرخ بيأس، محاولًا تحريك جسده المنهك.
لكن الأيدي أمسكت بقدمه اليسرى. حاول ركلها، لكنها كانت كثيرة جدًا. أمسكت بقدمه اليمنى أيضًا، ثم تثبّتت على رأسه ويديه، لتشلّ حركته بالكامل.
تحركت يدان من بين الحشد الأسود، زاحفتين نحو وجهه، متفحصتين إياه بعناية، وكأنهما تبحثان عن شيء معين.
ثم توقفتا—عند عينيه.
في تلك اللحظة، أدرك إيك ما الذي سيحدث.
“لا… لا… لا، لا، لا، لااااااا!”
صرخ بيأس ورعب مطلق.
غرست الأيدي أصابعها في مقلتيه.
اندفعت الدماء بغزارة من التجاويف الفارغة، فيما أخذ جسده يتلوّى من شدة الألم، وصرخاته تتردد في الظلام القاتم.
تمزيق!
تمزيق!
رمي!
تدحرجت عيناه في الماء الأسود، الذي سرعان ما بدأ بامتصاصهما ببطء.
لكن الأيدي لم تتوقف. رغم أن وجهه قد تحول إلى فوضى دموية، استمرت في بحثها.
لم يمر وقت طويل حتى وصلت إلى أذنيه.
“لا… لا… لا… لااااا! أرجوكم، أرجوكم توقفوا!”
صرخ إيك بهستيرية، والدماء تسيل من مكان عينيه المفقودتين.
لكن الأيدي لم تتوقف، ولو للحظة.
تحولت أصابعها إلى أشكال أكثر نحافة، ثم بدأت تخترق أذنيه ببطء.
ازداد صراخ إيك مع كل وخزة، كل تمزيق، كل تحريف. استمرت الأيدي تمزق أذنيه حتى لم يبقَ منهما سوى كتلة من اللحم المهترئ… لكن التعذيب لم يتوقف عند هذا الحد.
انتقلت الأيدي إلى جسده، تمزقه إربًا، تفتته بلا رحمة.
إيك، الذي كان يعاني من كل هذا، صرخ حتى تمزقت حباله الصوتية، والدماء تسيل من حلقه مع كل محاولة لالتقاط أنفاسه. وجهه لم يعد سوى خليط مشوّه من اللحم، وعقله يغرق في دوامة من الخوف المطلق.
الألم أشعل جسده كالنار، نهش كل جزء فيه، كأن كل عصب قد تمزق. حاول التركيز على محيطه، لكن الظلام كان سيد المكان، يبتلع كل شيء.
ثم… بدأت الذكريات تتدفق.
كلما زاد الألم، ازدادت الذكريات تدفقًا إلى ذهنه—ذكريات ضعفه، أصدقاء فقدهم، لحظاتٍ تمنى فيها لو لم يكن موجودًا. كانت الأفكار كالسكاكين، تغرز في روحه وتزيد من معاناته.
حاول المقاومة، لكنه كان عاجزًا تمامًا. كل ما استطاع فعله هو الاستلقاء، بينما الألم يتفاقم حتى وصل إلى حدٍ لم يعد يحتمل.
أنفاسه تسارعت، الرؤية تلاشت، ثم—
صمت.
استسلم جسده أخيرًا، وغرق في ظلام عميق.
اختفى الألم، لكنه ترك خلفه ندوبًا لا تمحى.
—
مر وقت غير معلوم.
تفتحت عينا إيك ببطء.
نظر إلى الأعلى، حيث امتدت سماء مظلمة بلا نهاية.
كانت الغيوم السوداء تتراقص فوقه، رمادية ومتحركة، بلا رياح، بلا سبب. عقله المنهك بالكاد استوعب ما يراه.
بقي مستلقيًا، غير قادر على استيعاب كيف لا يزال حيًا. جسده، الذي تم تمزيقه بالكامل، قد عاد إلى حالته الأصلية.
ولكن… شيئًا ما كان مختلفًا.
بات بإمكانه الرؤية.
قبل أن يفقد وعيه، كان قد أصبح أعمى تمامًا. أما الآن، فقد بدأ الظلام ينكشف أمامه قليلاً، ملامحه تتضح ببطء.
حين أدرك ذلك، وجه نظره نحو الماء الأسود تحته.
كان سطحه ناعمًا ومتماسكًا بشكل غريب. حاول إيك تمزيقه، لكنه كان صلبًا، غير قابل للاختراق.
وفي تلك اللحظة، ارتعش جسده بالكامل.
لقد شعر بهذا الملمس من قبل.
كان نفس صلابة الأيدي التي مزقته…
وكأنها استجابت لأفكاره، بدأ السائل الأسود يتحرك، مفرزًا تلك الأيدي البيضاء الشاحبة مرة أخرى.
تزايدت الأيدي من حوله، تتسابق لتشويه جسده وجعله يصرخ من إلالم . حاول أن يتمسك بشيء من الأمل لكن بدون جدوى…
وتكرر الكابوس… من جديد.
MANGA DISCUSSION